• ×

ختان الإناث بالسودان عادة تتحدي الزمن

تمثل انتهاكاً لحقوق النساء

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
السودانية _ متابعات ختان الإناث من العادات السالبة في المجتمع ويمثل انتهاكاً لحقوق النساء، وتم تصنيفه كأسوأ أشكال العنف ضد الطفلات في العالم. عادة ختان الإناث لا تزال تمارس على نطاق واسع داخل المجتمع السوداني وتستمد استمراريتها من المبررات الثقافية والتقاليد الاجتماعية المتوارثة عبر الأجيال.

تحدثت مع عدد من المختصين والمهتمين لأبرز في هذا التحقيق بعض الأصوات وأحصد الرؤى حول مناهضة ختان الإناث، كما تتبعت الأحداث التي مرت بها سيدة عندما جاء وقت ختان بناتها كأحد النماذج المجتمعية .. فإلى التفاصيل :

نساء السودان يتحدثن

تختصر تجربة السيدة بثينة قصص نساء السودان في مواجهة العادات الاجتماعية المتوارثة عندما يتعلق الأمر بختان الإناث، هي أم لسبع فتيات وتسرد حكاية الهزيمة والانتصار قائلة " دخلت في مواجهة مع نساء الأسرة وانتهت بخضوعي لقرارهن بختان بناتي الأربع الأكبر سناً وكانت الحجة المحافظة على شرف الأسرة وأن الختان جزء من دورة حياة الإناث في المجتمع، لكن بعد أن عايشت الألم الجسدي والنفسي الذي تعرضن له قررت أن أعيد النظر في الجذور الاجتماعية والثقافية وراء التمسك بختان الإناث . تكررت المواجهة عندما جاء وقت ختان بناتي الثلاث الأخريات، كنت انا من تغيرت وبعد أن بحثت عن أضرار العادة صحياً ونفسياً شرحتها لنساء الأسرة وأوضحت لهن أن الطفلة يمكن أن تنمو سليمة بالتربية الجيدة والارتباط بالتعاليم المجتمعية السودانية. انتصرت بإدارة الحوار وغيرت مفاهيمهن وأصبحن لا يؤيدن ممارسة ختان الإناث، وهكذا بنيت مستقبل آمن لبناتي الصغيرات " .

معدلات الانتشار

تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن عدد الفتيات اللواتي خضعن لأحد أشكال الختان يتراوح بين (100_140) مليون فتاة في العالم، (92) مليون منهن في أفريقيا و(30) مليون فتاة تحت سن (15) سنة ستكون عرضة لهذا الخطر خلال العقد القادم.

أشار المسح العنقودي متعدد المؤشرات الذي أنجز بواسطة الجهاز المركزي للإحصاء وبدعم من منظمة اليونسيف عام 2014م إلى أن معدل انتشار ختان الإناث في سن (15_49) (86.6%)، كما أن (31.5%) من الفتيات اعمارهن في سن (0_ 14) سنة تعرضن لأحد أنواع الختان و (40.9%) من النساء في سن الإنجاب يؤيدن استمرار ختان الإناث.

الخطر لا يزال قائماً

أشار مستشار السياسات الصحية في برنامج التنمية البريطاني مالك البدوي أن مصطلح تشويه الأعضاء التناسلية أو ما يعرف بختان الإناث يطلق على جميع الممارسات التي تنطوي على الإزالة الجزئية أو الكلية للأعضاء التناسلية الخارجية لأسباب غير طبية. وقال " يتم ختان الإناث عادة بدون مخدر وتترتب عليه عواقب صحية تدوم مدى الحياة منها النزيف، الإلتهاب المزمن، الندبات بالجلد، الألم المبرح، الصدمة النفسية، وتؤدي حالة الألم الهائلة التي تتعرض لها البنت إلى حالة من الحساسية الشديدة تصل للهيستريا عند العلاقة الزوجية، ختان الإناث ليس له فوائد صحية وله مضاعفات طويلة على صحة البنت منها الشعور بالنقص والخوف نتيجة الصدمة والتشوه الناتج عن العملية، وتؤثر المضاعفات في حياة البنت الاجتماعية نتيجة الشعور بالقهر مما يؤدي إلى الانطواء، إضافة للإصابة بالقلق والإكتئاب ".

وتابع حديثه قائلاً " لا يمكن للبنت رفض العملية لأن السلطة بيد الوالدين، وغالباً ما تقوم بفعل الختان قابلات تقليديات بهدف الكسب المادي ولكن لهذه العملية آثار اقتصادية تتمثل في تكاليف إجراء العملية للأسرة و التكاليف التي تتكبدها الخدمات الصحية الحكومية لمعالجة الآثار الجسدية والنفسية للبنت. تعكس هذه الممارسة تمييز ضد الأنثى وتنتهك حقها في الصحة، الأمن، السلامة الجسدية، الحق في الحماية من التعذيب، والحق في الحياة لأنها يمكن أن تؤدي إلى الوفاة ".

موقف الإسلام

" الأحاديث الدينية الواردة في مسألة ختان الإناث قليلة وضعيفة ولا يجوز العمل بها " هكذا بدأ الداعية الإسلامي الفاتح مختار حديثه ليكمل بالقول " القاعدة الشرعية التي نص عليها الدين الإسلامي (لا ضرر ولا ضرار) كفيلة بتجريم ختان الإناث لأنه يلحق الأذى بحياة النساء، لكن تظل المشكلة قائمة لأن فهم المجتمع العام يرجع ممارسة فعل الختان للدين الإسلامي وهو ما يوجب صدور فتوى موحدة من هيئة علماء السودان تنص على تجريم ختان الإناث وتعميمها على الأئمة والدعاة ويجب أن يسبق ذلك الكثير من الحديث و العمل مع الدعاة الإسلاميين وأئمة المساجد لتهيئة المناخ العام ومن ثم قبولهم بهذه الفتوى. نحتاج لإطلاق حملة توعية واسعة بشأن الفهم الديني لقضية ختان الإناث واستهداف النساء العاملات في حلقات تعليم القرآن لأنهن الأقرب للأمهات وبعد تمليكهن الجرعة الدينية الكافية في مسألة الختان والتأكيد على عدم موافقته مع الشريعة الإسلامية عليهن أن ينقلوها إلى النساء لتغيير مفاهيمهن بشأن الأبعاد الدينية للقضية، ونسعى للتأكيد أنه لا يوجد في الإسلام ما يسمى بالختان الشرعي أو السنة وإنما هي عادة متوارثة عبر الأجيال. نقترح إنشاء رسالة دينية تؤكد أن ختان الإناث يتنافى مع الإسلام ويتداولها جميع العاملين في حقل الدعوة الإسلامية بشكل متكرر لمخاطبة المجتمع أن كنا نريد القضاء على هذه العادة ".

القانون

قال مدير معهد حقوق الطفل ياسر سليم " ألغى القانون السوداني للطفل المادة (13) الخاصة بتجريم ختان الإناث ولا يوجد حالياً نص قانوني يمنعه. صادق السودان على ميثاق حقوق الطفل الأفريقي الذي أقر بموجب المادة (21) أن تتخذ الدول كل الإجراءات للتخلص من الممارسات الاجتماعية والثقافية الضارة المؤثرة على كرامة ونمو الطفل، وكان إلغاء المادة (13) بمثابة هدم لحقوق الطفلة السودانية، والمفارقة تكمن في الإلتزام على الصعيد الإقليمي و العالمي و القوانين المحلية المفترض بها تنفيذ الاتفاقيات على أرض الواقع وإصدار تشريعات تتوافق مع اتفاقية حقوق الطفل والميثاق الأفريقي لحقوق ورفاهية الطفل. المطالبة بتشريع يمنع ختان الإناث ليس إستجداء بل هو حق كفلته القوانين و المواثيق الدولية، ونطالب بإصدار قانون يمنع ختان الإناث لأنه عنف يؤذي الطفولة ".

جهود مستمرة

قالت المديرة التنفيذية في جمعية بابكر بدري السيدة أماني تبيدي " بدأت مناهضة ختان الإناث في السودان منذ أوائل القرن الماضي وبعد كل هذه الأعوام لاتزال العادة منتشرة وتشير بعض الدراسات إلى أن غالبية المهتمين بهذا الشأن خاطبوا النساء وتجاهلوا دور الرجل الذي كان يقف في الماضي موقفاً سلبياً وأعتبر الختان شأناً خاصاً بالنساء. الآن حان الوقت لإشراك الرجل في الجهود المبذولة التي تستهدف المجتمع بجميع قطاعاته بهدف تغيير المفاهيم داخل الأسرة والمجتمعات المحلية وفي عملية اتخاذ القرار لإنقاذ الفتيات من هذه الممارسة ".

أصوات جديدة

تؤكد الخبيرة الوطنية في مبادرة سليمة للتخلي عن ختان الإناث الدكتورة سميرة أمين بضرورة وجود خارطة طريق للتواصل مع أفراد من المجتمع بغرض طرح القضية وقالت " ختان الإناث من المواضيع المغلقة داخل المجتمعات والحديث عنه بشكل مفتوح أمر يحتاج لتكثيف الجهود، لذلك يجب التعرف على خارطة طريق من الأفراد الغرض منها إبراز أصوات جديدة وتكثيف الحوار المجتمعي الذي ينظم المشاورات التي تتم داخل المجتمع وتقوم بها فئاته المختلفة مع بعضها البعض من أجل تحقيق المصلحة وإحداث تغيير إيجابي مثال ذلك : حديث الرجال مع بعضهم البعض والأم مع ابنتها وتواصل هذه الأصوات داخل المجتمعات المحلية بالقدر الممكن وهنا يمكن أن تنتقل القضية من حالة الحوار المحدود للمجال المفتوح، أن إدارة عملية الحوار المجتمعي تقوم على تغيير اتجاهات السلوك حول العادة ورفع شأن ترك البنت سليمة ومن ثم الوصول إلى اتفاقيات جماعية للتخلي عن ختان الإناث داخل المجتمع " .

وتقول عن قضية توسيع الحوار المجتمعي " علينا أن نبحث القضية بمفهوم الأزمة الشاملة، فختان الإناث هو أزمة حقوق وعدم تساوي والحديث عنه يجب أن يدخل في كل قضايا وأزمات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. وعندما نتعامل مع القضية كخطر يهدد المجتمع فأن التخلى عنها يكون أقل صعوبة. اقترح أن تعالج مسألة الرسالة الإعلامية وتناولها لمفهوم البنت السليمة بفتح النقاش مع الإعلاميين لتدخل القضية كسياسة ممنهجة ومستمرة داخل وسائل الإعلام ولا تقتصر على المناسبات، ويجب تحديد من يوجه الرسالة وكيف يختار أفضل السيناريوهات ليعرضها للرأي العام بشكل مختلف وإيجابي".

الشباب .. طريق الأمل

أعضاء المجموعة الشبابية لمناصرة الطفولة محمد، أحمد، سجى، إيثار قالوا " تكرس الثقافة الشعبية لاستمرار ممارسة ختان الإناث بالقصص والحكايات الأسطورية وتعتبر المفاهيم الاجتماعية أن ختان الإناث محاولة للسيطرة على الرغبات الجنسية وجزء من الهوية المحلية وعادة متوارثة عبر الأجيال ومن يؤيدون الختان يعتقدون أنه يعزز فرص البنت في الزواج ولا يؤذونها وإنما هي عملية تنشئة اجتماعية، ويرفض المجتمع البنت التي لم تتعرض للختان ويصفها بأنها غير نظيفة وتتعرض سمعتها للخطر ".

وقالوا " عندما نتحدث عن القضية نجد معارضة وخوف من بعض قطاعات الشباب، لذلك كونا مجموعات شبابية مؤهلة وقادرة على امتصاص الغضب وإزالة القلق، ونتحدث مع مختلف الشرائح الشبابية في جلسات حوار الهدف منها توحيد الهم الشبابي تجاه القضية، وتعريف الشباب أن جزء من معالجة قضاياهم يتمثل في محاربة ختان الإناث وتصحيح المفاهيم الثقافية المتوارثة وتحفيز الشباب لتحمل مسؤولية التخلي عن هذه العادة والاعتراف العلني بأهمية التحول الإيجابي تجاه عدم الممارسة. كما نسعى للاستفادة من التكنولوجيا بإنشاء صفحات إعلامية في مواقع التواصل الاجتماعي هدفها توفير المعلومات وإدارة نقاش يومي مع الشباب لفهم التأثيرات الواسعة لختان الإناث على حياة البنات وكيف سيؤثر التخلي عن هذه الممارسة على المعايير والعلاقات بين الجنسين. لا يمكننا القول أن التخلي عن هذه الممارسة سيكتمل في المدى القريب لأننا كشباب نخوض صراعاً مع موروث ثقافي واجتماعي ونسعى في نهاية المطاف إلى ترتيب المستقبل وتمهيد الطريق لهذا التخلي الجماعي" .

خطوة إلى الأمام ..

ولنا كلمة أخيرة .. ختان الإناث لا يزال ممارسة شائعة في أنحاء السودان، لكن الجهود مستمرة على المستوى الرسمي والشعبي، ويمكن التخلي عنه والتقدم إلى الأمام من خلال التواصل مع النساء ضحايا الختان وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهن، و سن قانون يجرم العادة ويضمن حقوق الفتيات، إضافة لإشراك الحكومة ومنظمات المجتمع المدني فجميعنا نتحمل المسؤولية نحو التخلي عن ختان الإناث وتغيير مفاهيم الأجيال منذ وقت مبكر. هنالك ضرورة للإرتقاء بمستوى الأبحاث بشأن ختان الإناث للتوصل إلى طرق التعامل مع التحديات القائمة والمتعلقة بمقاييس انتشار العادة، كما يجب التأكد من ترجمة نتائج الأبحاث والقدرة على تقديم توصيات حازمة لدعم عملية اتخاذ القرار بشأن التخلي عن ختان الإناث.


بواسطة : admin
 0  0  1532
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 03:13 صباحًا الجمعة 19 أبريل 2024.