• ×

اليكم

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
إليكم

الطاهر ساتي
tahersati@hotmail.com

البروف حميدة .. لقد أحسنت ..!!

** هي منطقة تمنطقك - وتقنعك - بأن التهميش في بلادي لالون له ولاعرق ولاثقافة ولاجغرافية..اسمها مدينة الفتح، تقع على بعد أربعين كيلومتر فقط لاغير من رئاسة حكومة ولاية الخرطوم، وتحيط بها جبال كرري وفيافيها وبؤس الحال..سألت أحدهم : لماذا يلقبونها بالمدينة، رغم أنها - شكلا ومضمونا - محض قرية بلاخدمات؟، فأجاب : لأنها إحدى مدائن ولاية الخرطوم، وتقع في جغرافية محلية كرري..بها 147 مربع سكني، قوامها ما يقدر ب (615 منزل)، وبكثافة سكانية تقترب الى نصف مليون نسمة..كثافة نسبة الأطفال فيها لاتخطئها عين، وكذلك تكاثف البؤس في بيوتات وشوارع الفتح التي تنتظر الإنارة رغم أن أعمدة الكهرباء تشقها طولا وعرضا..من أين لتلك البيوتات الفقيرة وأهلها البسطاء رسوم التوصيل؟..هنا تذكرت إحدي تجارب ولاية البحر الأحمر حين تمد الأحياء والأرياف بالكهرباء، وهي تجربة لجان الحي التي تلزم القادر على توصيل الخدمة لغير القادر، ثم حرص حكومتهم التي تلزم ديوان الزكاة بتغطية ما تبقى، ولذلك سواسية كل أهل الحي بكل مدائن البحر الأحمر في الإستمتاع بخدمة الكهرباء..فالحال هناك ليس كما حال أطراف العاصمة، حيث ( العين بصيرة واليد قصيرة)..وهكذا تقريبا لسان حال الأهل بالفتح حين تدثرهم ظلمات الليل وتحدق أعينهم في نجوم السماء وأسلاك الكهرباء العابرة ..!!
** مستشفى الفتح، زرته للمرة الثانية، كلفت ميزانية مبناه وأجهزته الناس والبلد مبلغا يتجاوز (5 مليار جنيه)، شيدته حكومة الولاية في العام 2007، به عيادات مكتملة وعنابر وسيعة ومعامل ذات أجهزة ومعدات وصيدلية و( 182 كادر)، ثم تم افتتاحه، وكالعادة (رقصوا )..ومع ذلك، تقزم هذا المشروع، بعد ثلاثة أشهر فقط لاغير من شهر الإفتتاح والرقص، بحيث صار مجرد (مركز صحي)، أوأقل..تلك العنابر لم تستقبل مريضا منذ العام 2007، ليس لقة المرضى فى مدينة الفتح، بل لأن تلك العيادات لم يستقر فيها إخصائيا منذ عام الإفتتاح..نعم (182 كادر)، ليس فيهم (ولا إخصائي)..وليس في الرقم ما يدهش حين تعلم بأن بالمستشفى، على سبيل المثال، ( 6 مساعد طباخ، 11 فرد تأمين، 13فراش، كمتاشر مراسلة، كمتاشر ممرض، وجنايني و..و..)..وهكذا تدهشك الأرقام التي يتوسطها ( صفر الإخصائي)..ولذلك سألت أحدهم بمنتهى الدهشة : ( الستة مساعدين طباخ ديل بيطبخوا شنو؟، ولي منو؟)..فالعنابر لاتزال بطلاء بوهية الإفتتاح، وكذلك الأسرة فيها - بمراتبها - لاتزال جديدة منذ العام 2007، فلمن يطبخ الطباخ؟، ولمن يعمل هذا الفيلق - 182 - من العاملين ؟..ولا إجابة غير أنهم يحولون مرضاهم الي مشافي الخرطوم الأخرى..نعم مهام كل هذا الفيلق لاتتجاوز ( تحويل المريض )، ولله في عبقرية الخدمة المدنية السودانية شؤون ..!!
** المهم.. كم كان مؤلما مشهد إستقبال الأهل بالفتح لوزير الصحة بولاية الخرطوم يوم السبت الفائت..إمرأة في العقد الرابع، أو أقل من ذلك ولكن الشقاء يضاعف العمر، تتوسل : ( يا وزير معقول نحن نقطع المسافة دي كلها عشان نلد في مستشفى أمدرمان؟)..وشابا يتوكأ على عصاه ويزاحم الناس وأسأله عن مبتغاه، فيهمس ( محتاج عملية و داك بيتنا، وليه امشي ارقد فى مستشفى أمدرمان؟)..وآخر يسب ويلعن بعيدا عن الحشد، فاقترب منه لاعرف السبب، فيصرخ في وجهي : ( ياخ لينا أربعة سنة بننبح عايزين إخصائي، عايزين إخصائي ، ومافي زول جايب خبرنا، هم أصلا بنوه ليه ولو ما قادرين يشغلوه؟، نحن زاتنا الغلطانين الساكتين على الوضع ده )..ومنسق ما يسمونها باللجان الشعبية أيضا مستاء..ومعتمدهم يشعر بأن كل الحشد مستاء من وضع المستشفى، وكذلك مستاء من عجزه عن فعل شئ، ولذلك يخاطب وزير الصحة بخطاب فحواه : ( والله نشكرك على زيارتك، لكن بصراحة كدة المستشفى لازم يشتغل، وأنا ما بفهم كلام الدكاترة والانجليزي بتاعهم، لكن الشئ البعرفوا المريض لمن يدخل هنا لازم يلقى الدكتور والدواء).. وفجأة، ملأ دوي التصفيق ردهات المستشفى، تصفيق مرده : الإعلان عن أسماء إخصائي الجراحة والجلدية والأطفال و النساء والتوليد، الذين يجب عليهم مباشرة أعمالهم إعتبارا من الغد، مع توجيهات بتجهيز مساكنهم داخل المستشفى..ثم قرارات - قبيل المغرب بساعتين - بالإعلان عن وظائف شاغرة، ليس لمساعد الطباخ والفراش، بل ( لإخصائين في تخصصات مختلفة)..وهكذا تم يوم السبت الفائت الإفتتاح الفعلي لمرفق صحي تم إفتتاحه - صوريا - في العام 2007.. لقد كان الطموح منذ تأسيس مدينتهم تلك مرفقا صحيا يداوي مرضاهم..وعليه، باسم كل مواطن ظل منسيا خلف جبال كرري - ويقترب عددهم الى نصف المليون - لا خير فينا إن لم نقلها ( شكرا للبروف مأمون حميدة، لقد أحسنت )..!!
.............
نقلا عن السوداني

بواسطة : الطاهر ساتي
 0  0  2230
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 02:29 مساءً السبت 20 أبريل 2024.