• ×

السودنة ثم السودنة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط


محاكمة أبرار/مريم فهمها العالم على أساس أنها انتهاك للحريات الدينية، واعتقال الصادق المهدي لمدة شهر فهمه العالم على أساس أنه انتهاك للحريات السياسية، ومنع الصحف من الصدور أو مصادرتها أو منعها من تناول بعض المواضيع وإيقاف واستدعاء الصحفيين انتهاك لحرية التعبير (يا عالم شلتو حالنا وخليتونا منظرة ومسخرة قدام العالمين) لعل هذا هو لسان حال الكثيرين من أهل السودان المنفتحين على العالم أو على الأقل حال إعلامنا و أقل من الأقل بعض المنتمين للحكومة. لقد بدا لي من هذه الحيثية أننا محتاجين لإعادة النظر في كثير من فهمنا لقضايانا.
يبدو لي أنه لابد لنا من سودنة قضايانا بمعنى أن لا تكون نظرتنا للأمور بمنظار العالم لها ثم تتملكنا فوبيا ما يقوله العالم عنا الدعوة هنا إلى أنه ينبغي أن ننظر للأمور بمنظارنا الذاتي أولاً بغض النظر عن توافقنا أوعدمه مع هذا العالم فمثلاً قضية أبرار/ مريم فكما ذكرت قبل يومين هنا أن الرأى العام السوداني المسلم يتمنى أن لا تطبق عليها عقوبة الرجم مع الإيقان أن المحكمة الموقرة قد حكمت عليها بموجب القانون الساري. فقد يسألني سائل كيف عرفت اتجاه الرأى العام؟ هل هناك جهة قامت باستطلاع رأى عام حول قضية أبرار/ مريم؟ الإجابة أنه ليست هناك جهة قامت باستطلاع الرأى العام ولكن كم يقول الأثر ألسنة الخلق أقلام الحق فكل الكتابات الصحفية التي كتبت في الصحافة السودانية وعلى كثرتها لم أقف على مقال واحد يطالب برجم أبرار/مريم للمتدينين منطقهم ولغير المتدينين منطقهم ولكن كلهم التقوا على أن رجم أبرار ليس مطلباً شعبياً بأي حال من الأحوال.
خد عندك اعتقال الصادق المهدي كان يمكن تفاديه بعدة تدابير قانونية أو سياسية ودون أي مساس بحرية القضاء أو تعريض أمن لبلاد للخطر هذا إذا أرادت الحكومة عدم التضحية بالحوار الذي دعت إليه ويمكنني هنا أيضاً أن أزعم أن الرأي العام لم يكن واقفاً في صف اعتقال الصادق المهدي فكل الكتابات التي وقفت عليها قبل منع النيابة للصحافة من تناول هذه القضية كانت تدعو النائب العام لاستخدام صلاحياته الممنوحة له بموجب المادة 58 من قانون الإجراءات الجنائية وبعضها يدعو رئيس الجمهورية للتدخل لإنهاء الاعتقال وبعضهم يطلب من النيابة عدم تجديد أمر الحبس وكل هذا يتيحه القانون ثم جاءت الوساطة الشعبية التي أثمرت جهودها في إطلاق سراحه لتثبت ما ذهبنا إليه.
كذلك التضييق على الصحافة بأي من السبل المذكورة أعلاه ومنعها من تناول بعض المواضيع لايجد تعاطفاًً من الرأي العام السوداني وقد تم نصح الحكومة مرارًا وتكرارًا أنه مع السماوات المفتوحة الأسافير الحائمة لا جدوى من منع النشر لا بل التضييق على الصحافة المكتوبة يجعل الناس يفزعون للإعلام البديل والمتاح وبهذا حتى الصحف التي أبقت عليها الحكومة سوف يهجرها الناس وكذا الإعلام الإلكتروني من تلفاز وراديو التابع للدولة سوف يهجره الناس نتيجة سيطرة الحكومة عليه وسيكون ضارًا بالوطن إذا أصبح إعلامه مهجوراً ولجأ الناس للوسائط الخارجية متلقين ومنتجين.
خلاصة قولنا هنا أن المسألة ليست ما يريده العالم بل ما نريده نحن السودانيين فإذا تطابقت رؤية العالم معنا وهذا أمر طبيعي لأننا جزءًا منه فليكن ذلك ونحن لسنا غواه مخالفته بسبب وبدون سبب ولكن أن ننظر لقضايانا بمنظار العالم ففي هذا تغريب لقضايانا فالأدعى أن ننظر لقضايانا بأعيننا قبل عيون الآخرين.



 0  0  10288
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 08:21 مساءً الأربعاء 24 أبريل 2024.